مقالات في السكان والمجتمع
السياسة السكانية لدولة قطر .. 2017 - 2022 ومعالجة الخلل السكاني - محمد الخليفي (2-2)
-
الزيارات: 548
مناقشة التقرير
قد أحتاج أن أكرر القول بأن القضية التي نطرحها وننظر من خلالها إلى "السياسة السكانية لدولة قطر" هي تصحيح اختلال التركيبة السكانية التي تبدو في انخفاض نسبة السكان القطريين بالنسبة إلى مجموع السكان.ذلك أن تحول القطريين إلى أقلية ثالثة وربما رابعة في مجتمع أقليات غير متجانس هي المسألة التي تستحق أن نعيد التذكير بها، وننبه لخطورتها على مستقبل المجتمع والدولة. وأن نؤكد على أن هذا الخلل يقع ضمن المعلوم به في المستويات المختلفة لمراكز صنع واتخاذ القرار في الدولة، وأنه لا توجد إلى الآن استراتيجية حقيقية جادة لتصحيحه.
كذلك وجب أن ننبه ابتداء إلى أن المعيار الذي نعتمده في الحكم على السياسة السكانية ، وقيمة الإجراءات التي اعتمدتها السياسة السكانية لا تكمن في كونها نُفذت أم لم تُنَفَذ، وإنما في قدرتها على تصحيح الخلل السكاني . فمثلاً يشير التقرير إلى تراجع معدل النمو السكاني من 18.9 عام 2008 إلى 0.1 عام 2019 . ويعللها التقرير بـ " الإجراءات التي اتخذتها الدولة للحد من استقدام العمالة ، والتخلص من العمالة الفائضة منها عن الحاجة"، وهذا تعليل غير صحيح ، يبين ذلك أن معدل النمو السكاني قد انخفض من 18.9% عام 2008 إلى 13.1% عام 2009 إلى 4.7% عام 2010 وإلى 1.0% عام 2011، ثم عاد إلى الارتفاع في العام التالي إلى 5.8% وفي عام 2013 إلى 9.3% ثم وصل إلى 10.1% في عام 2014 ثم عاد إلى الانخفاض في عام 1015 ليصل إلى 9.5% ثم 7.1% ، ثم 4.01% ثم 1.3% ، ليصل إلى 0.1% عام 2019 . فهل نعزو الارتفاع الذي حصل في الأعوام التالية لعام 2011 إلى أن الدولة لم تتخذ أي اجراءت للحد من العمالة الوافدة، أو أن الإجراءات كانت عديمة الجدوى! لا. الذي نراه هو أنه لا توجد استراتيجية جادة لتصحيح الخلل السكاني وأن الأمر متروك لحركة السوق الذي تحركة المصلحة الخاصة بطبيعة الحال. هذا أولاً .
وثانياً فإن الحديث عن انخفاض معدل النمو السكاني دون تصحيح لنسبة المواطنين من السكان تضليل للقارئ. ذلك أن أرقام المُعَدَّلات التي عرضها التقرير هي أرقام ( مُضَلِلة ) – على الرغم من دقتها - بالنسبة للقارئ العادي الذي ليس له معرفة بحساب مثل هذه المعدلات المرتبطة بالنمو السكاني، فيظُن أن هناك انخفاضاً في عدد السكان، وأننا سائرون على الطريق الصحيح لمعالجة الخلل السكاني، لكن الحقيقة هي أن عدد السكان لم ينخفض في الأعوام التي أشار إليه التقرير، ولا الأعوام السابقة على ذلك، وأن الخلل السكاني لم يصحح منذ أن بدأ في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بل ظل يزداد عاماً بعد آخر، دون عمل جاد على تصحيحه.
عدد السكان لأعوام مختارة ( 2008 – 2022) المصدر: جهاز التخطيط والإحصاء |
||||||
2008 |
2011 |
2014 |
2017 |
2019 |
2020 |
2022 |
1541130 |
1701219 |
2216500 |
2634234 |
2747282 |
2723624 |
2985029 |
تكشف الأرقام السابقة زيادة مستمرة في عدد السكان، وهي بالتأكيد زيادة لا يمكن أن تعزى للزيادة الطبيعية للمواطنين القطريين، بل على العكس من ذلك، فإن النتائج الإحصائية تكشف عن انخفاض معدل الخصوبة الكلي للمرأة المواطنة. وبالتالي فإن الزيادة السكانية تعود إلى استقدام العمالة الوافدة دون اعتبار لما يحدثه من خلل سكاني.
ثالثاً. يقول التقرير إن "تحديث وسائل الانتاج والخدمات وأتمتتها ستؤدي بالضرورة إلى الحد من الحاجة إلى الأيدي العاملة من جهة، وإلى تحسين نوعية العمالة المستقدمة من جهة أخرى." لكنه لم يخبرنا إلا عن "ارتفاع نسبة العمالة الماهرة وعالية الماهرة" غير القطرية التي ارتفعت من 23% لعام 2010 إلى 31% لعام 2018، وسكت عن الجزء الثاني أي "الحد من الحاجة إلى الأيدي العاملة". وعلى هذا الأساس لم ينتج عن الهدف : "دعم التوجه نحو اقتصاد المعرفة"، تصحيح الخلل السكاني.
رابعاً . العجيب هو أن التقرير عندما حدد أهم التحديات التي تواجه تصحيح اختلال التركيبة السكانية، والتي يجب أن تكون ضمن أولويات أي خطة لتصحيح الخلل السكاني، اتجه إلى الجانب غير المؤثر في الخلل السكاني، أعني ذلك الذي يرتبط بالزيادة الطبيعية لدى المواطنين، وحددها في: انخفاض معدلات المواليد الخام لدى القطريين ، وانخفاض معدل الخصوبة الكلية للمرأة القطرية. الأعجب من ذلك هو أن التقرير اعتبر "ارتفاع نسبة النوع فوق المعدلات الطبيعية"، أي عدم "التوازن في نسبة النوع التي بلغت 288 عام 2018، أي أنه مقابل كل 100 أنثى هناك 288 ذكراً ، وهي نسبة عالية جداً." من أهم التحديات التي تواجه السياسة السكانية.
نسبة النوع (الذكور لكل مئة أنثى) بحسب الجنسية لعام 2018 |
||
قطريون |
غير قطريين |
إجمالي السكان |
97 |
342 |
288 |
نقول الأعجب لأن التقرير نَسِيَ أن ارتفاع نسبة النوع فوق المعدلات الطبيعية، هي نتيجة طبيعية لمجتمع غير طبيعي، فعندما يُفتح باب الاستقدام للعمالة الخارجية على مصراعيه، وتتحكم فيه قوانين السوق التي لا ترحم، فلا بد أن تكون النتيجة كذلك.
خامساً. لقد أغفل التقرير - عند طرحه "أولويات المرحلة الثالثة (نوفمبر 2019 – أكتوبر 2020) - العامل الجوهري في الخلل السكاني وهو ارتفاع أعداد العمالة الوافدة، واتجه إلى القطريين ليشجعهم على الزواج وعلى الإنجاب. مع علم كل من شارك في وضع السياسة السكانية أن الزيادة الطبيعية للقطريين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصحح الخلل السكاني.
سادساً. تفتقد السياسة السكانية الدقة العلمية، ابتداء بـ "الإجراءات" وانتهاء بـ "مؤشرات المتابعة" . فمثلاً الإجراء: "إدخال مضامين خفض المهور وتكاليف الزواج في المناهج التعليمية" يقابله مؤشر متابعة : "وجود مواد تعليمية وارشادية تدعو لخفض المهور وتكاليف الزواج " هكذا دون أي تحديد كمي قابل للمتابعة والقياس. الغريب أن هذا الإجراء ومتابعته قد تغير في "تقرير حالة سكان قطر 2019" من "المناهج التعليمية" إلى "وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي". وتبعاً لذلك تغيرت مؤشرات المتابعة فأصبحت "وجود حملات وبرامج إعلامية" و"في مواقع التواصل الاجتماعي". لكنه ظل بدون تحديد كمي دقيق.
إن كلمة" وجود" في عبارة الإجراء، يمكن أن تشير إلى أي رقم ! من 1 إلى ما شاء الله! لذلك فإن التحديد الكمي الدقيق لا بد أن يبدأ مع تحديد الأهداف والإجراءات، ومؤشرات المتابعة . لا يكفي البيان بأنه قد تم تنفيذ برامج إعلامية: عدد (12) حلقة إذاعية و عدد (7) حلقات تلفزيونية و عدد (5) موضوعات صحفية. وبرامج توعوية : عدد (4) ورش تدريبة للمقبلين على الزواج ، وعدد (5) لقاءات حوارية في المجالس ...الخ ، دون أن نعرف العدد المحدد سلفاً . فقد ينفذ 100 برنامج والمطلوب تنفيذه 200 ، فيكون الإنجاز 50% وقد ينفذ 10 برامج والمطلوب تنفيذه 10 برامج فيكون الإنجاز 100% .
انظر على سبيل المثال في الإجراء التالي : "توسيع نطاق الأتمتة (الميكنة) في ميادين النشاط الاقتصادي المختلفة." و المؤشر المستهدف : "وجود توجه لدى شركات القطاع الخاص لتوسيع نطاق الأتمتة..." ولأن المؤشر هو "وجود توجه" فإن المتابعة تعتبر الإجراء في طور التنفيذ لأن "هناك توجه لدى بعض الشركات" و "وجود توجه نحو زيادة استخدام ..." أو وجود " توجيه شركات الاستثمار ....بأهمية الأخذ بالاعتبار سبل تطوير ..." ولا ندري كيف يمكن تحويل "وجود توجه" إلى رقم قابل للقياس! ولا نريد أن نسترسل في ضرب الأمثلة.
الطريقة العلمية في التخطيط هي أن نعرف ابتداء عدد الشركات التي تستخدم الميكنة في عملها من مجموع الشركات، وأن نضع هدفاً محدداً بالأرقام للعدد الذي نريد الوصول إليه على مدى خمس سنوات ، وأن نضع السياسات التي تحفز الشركات للقيام بذلك ، وأن نتابع بالطريقة المناسبة السنوية أو النصف سنوية أو الربع سنوية، وعلى ضوء المتابعة نستمر في ذات السياسات أو نعدلها، تبعاً لنجاعتها ...وهكذا إلى أن نصل إلى الهدف المطلوب.
وبعد، لقد اعتمدنا في مناقشة السياسة السكانية 2017 – 2022 على تقرير حالة سكان قطر 2019 ، لأنه الوحيد المتاح . والظن الغالب عندنا هو أن التقرير النهائي الموجود في أدراج جهاز التخطيط والإحصاء وأدراج الحكومة لا يمكن أن تكون نتائجة أفضل من تلك التي عرضها تقرير 2019. نستند في ذلك إلى ما جاء في كلمة رئيس جهاز التخطيط والإحصاء ورئيس اللجنة الدائمة للسكان : " ومع مرور خمس سنوات على تطبيق السياسة السكانية الثانية 2017-2022 لدولة قطر، والتي خضعت لتقييم شامل ومعمق أظهر بأن مستوى التقدم في تحقيق أهداف هذه السياسة كان مرتفعاً بشكل عام". هكذا دون بيان إحصائي دقيق وشامل !
ونضيف: لقد انتهت المرحلة الأخيرة من مراحل متابعة تنفيذ السياسة السكانية ولم تبين اللجنة: ما الذي تحقق، وما الذي لم يتحقق ، وما الصعوبات التي واجهتها ، وما الاجراءات التي ستقترحها للخطة القادمة، سوى تلك الكلمات المقتضبة التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة. ولأن الأمر كذلك، فإننا لا نملك من وسيلة لنُقَيِّم ما حققته اللجنة فيما يتعلق بمعالجة الخلل السكاني، سوى النظر في تطور السكان في سنوات الخطة ( 2017 – 2022 ) .
عدد السكان في شهر يناير للأعوام 2017 - 2022 |
|||||
2017 |
2018 |
2019 |
2020 |
2021 |
2022 |
2576181 |
2643728 |
2766459 |
2773221 |
2668811 |
2791925 |
تكشف الأرقام أن عدد السكان قد زاد من يناير عام 2017 إلى يناير عام 2022 بـ ( 215744 ) نسمة. وهي بالتأكيد زيادة لا يمكن أن تعزى إلى الزيادة الطبيعية للقطريين. بعبارة أخرى، إن السياسة السكانية 2017 – 2022 لم تتمكن من تحقيق أهدافها لمعالجة الخلل السكاني، بصرف النظر عن تحقيق الإجراءات من عدمها، وهي تدل على عدم نجاعة الإجراءات التي اعتمدتها السياسة السكانية. حتى لو كانت نسبة الإنجاز لإجراءات الهدفين: (الحد من استقدام العمالة) و (التخلص من العمالة الفائضة) هي ( 75% و 50% ) كما يقول التقرير.
ويبقى السؤال قائماً: كيف يمكن معاجة الخلل السكاني؟ وهذا حديث آخر.
محمد الخليفي
مواقع مختصة بالسكان و المجتمع
مواقع مختصة بالمجتمع و الإحصائيات السكانية و تركيبتها
World Bank - Country Data
موقع البنك الدولي
UN - Department of Economic and Social Affairs Population
الأمم المتحدة - إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية – الشؤون السكانية
موقع يحتوي على معلومات عن الإحصاءات السكانية
إقرأ المزيد...